ذكورية الفكر الفلسفي صراع.. لا يخبو أدواره (نقلاً عن الثورة)
الثورة – فاتن دعبول:
يبدو أن عالم الذكورة لابد أن يظهر في الكثير من مناحي الحياة، إلى أن يصبح ذلك عرفاً في بعض المجتمعات التي تختصر العلوم في أغلبها بأنها حكر على الرجال، وهذا ما حاول أن يوضحه لنا د. حسين حمادة في محاضرته التي عنونها” ذكورية الفكر الفلسفي، والكتابة النسوية” التي استضافها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، بإدارة د. إبراهيم زعرور رئيس الفرع.
وبدأ د. حسين حمادة محاضرته بتعريف معنى الفلسفة بأنها” حب الحكمة” وهي دراسة الأسئلة الهامة عن الوجود والمعرفة والقيم والاستدلال واللغة.
والفلسفة كما بينها حمادة هي أيضا دراسة كل القضايا المتعلقة بالإنسانية من وجود ومعرفة وأخلاق وجماليات وقيم، كما شملت علم الفلك والطب والفيزياء.
وإن كان فعل الكتابة والأدب هو مشترك بين الجنسين الذكر والأنثى، لكنه عند الأنثى يتميز بأنه أدب مطبوع بخصائص أنثوية من واقع حياتها وقضاياها المستقاة من تاريخ ثقافي عميق، ونتاج معرفي يتميز بخصوصية واضحة.
أما ما يرمي إليه المحاضر من عنوانه” ذكورية الفكر الفلسفي” فهو غياب حضور المرأة في المجال الفلسفي، فقلة من النساء اللواتي ظفرن بمقام الفيلسوفات، رغم أن بعضهن امتلك الحكمة ومنهن صنعن تاريخ الفكر، ويؤكد ذلك الفيلسوف أفلاطون في كتابه” الجمهورية” في قوله” إن النساء يضاهين الرجال، وأن بوسعهن تقلد المناصب القيادية في المدينة المثالية، وهو موقف رؤيوي طليعي متميز، موازنة بالمعايير السائدة عصرئذ.
فهؤلاء الملوك الفلاسفة هم من الرجال والنساء وكلاهما معني بتولي مقاليد القيادة في جمهوريته، وموكلين بالمسار المؤدي إلى التنوير الفلسفي الأمثل، لكن المشكلة أن الكثير من التقولات المؤذية قد لاحقت المرأة عبر التاريخ ما أضر بوجاهتها، وحالت في أغلب الأحيان دون لحاقها بالرجل في المجالات المعرفية والفلسفية، ومن هذه التقولات أن المرأة” ساحرة، هيستيرية، شيطانية ..”.
وهذا ما جعل المرأة على هامش مؤسسات التعليم والتعلم، ووقف حائلاُ دون إشغالها حيزاً في تاريخ الفكر الفلسفي حتى في الجامعات التي تعد الفضاء الأمثل لطرح النقاشات الفلسفية الجادة، فلم تفسح للمرأة المكانة اللائقة بها والمناسبة لها، ما أدى في الآن نفسه إلى فضاء ذكوري بامتياز، باستثناء بعض المجالات المرتبطة باللغات والآداب الأجنبية.
وعليه ما يزال الدرس الفلسفي في مجمله قائماً على استعراض قائمة من المفكرين الفلاسفة الذكور من الأموات والأحياء” سقراط، أرسطو، ابن رشد، الفارابي، ابن سينا” إلى أن نصل إلى المعاصرين من مثل” لوك، هيوم، كانط، نيتشة، سارتر، هيدجر، زكي نجيب محمود، زكريا إبراهيم، ولا تحضر المرأة إلا بشكل نادر.
ويشير د. حمادة إلى دور المجتمعات في إبعاد النساء عن دور العلم بدعوى أنهن أقل أهلية من الذكور، أو غير قادرات على منافسة الذكور، ما يؤكد أن المجتمع يحدد أدوار النساء بما ينتهي إلى تقليص أنشطتهن الذهنية.
وهذا الموضوع الإشكالي أثار نقاشات عديدة عقب المحاضرة، وبيَّن البعض أن المحاضر ربما جانب العنوان فيما طرحه، بينما أشاد البعض بدور المرأة في العصور كافة.
وبيَّن د. إبراهيم زعرور أنه يؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل، ولا يتفق مع مسألة الذكورية في الفكر الفلسفي، فهناك كتابة للرجال وأخرى للنساء، ونحن نسعى إلى التكامل في المجتمع، والعدالة بالفكر والثقافة والعمل والأدوار، وربما تفوق الرجل بالكثير من الأعمال وخصوصاً ما يخص الأسرة.
ويضيف: إن الندوات والمحاضرات، في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، تسعى إلى تكريس دور كل من الرجل والمرأة، وكسر الحواجز النفسية بين الجنسين، وكل التوجهات في العمل هدفها تحقيق السوية الإنسانية، وبناء وتطوير الأجيال من الشباب.
ويبين أن المرأة تنتزع دورها انتزاعاً، فليس هو منة من أحد، بعيداً عن عقلية الرجل التي تتوجه نحو التملك، وهي في أدوارها المتعددة استطاعت أن تحتل مكانتها المرموقة في المجتمع.