دور الجوائح في مسيرة التقدّم الإنساني … «الكون الكمومي والتزأمنية»… عرض للوقائع التاريخية (نقلاً عن الوطن)
صدر عن اتحاد الكتاب العرب ضمن سلسلة الأدب العالمي كتاب بعنوان «الكون الكمومي والتزأمنية- دور الجوائح في مسيرة التقدم الإنساني»، تأليف فرانسوا آروش، ترجمة الدكتور عادل داود، يقع في 256 صفحة، ويستوحي الكتاب من جائحة كورونا الحديثة هذه المأساة التي فتحت جدلاً واسعاً وقلبت النظام الاجتماعي والاقتصادي في العالم رأساً على عقب ووقف كثيرون أمام ذلك متسائلين أكانت هذه المأساة وليدة المصادفة أم هي نتيجة حتمية أفضى إليها اتباع سبيل معين، فبرز بين أكثر الأسباب المعتبرة سببان: نشوء الفيروس من حيوانات بيعت في سوق مدينة ووهان الصينية، تطوير الفيروس في مخبر أبحاث حيوية في مدينة ووهان نفسها. ولقيت الأسباب العميقة لمجموع الأشياء قدراً أقل من المراعاة غير أنها ولّدت أيضاً جدلاً حتمياً، وإحدى الأطروحات المأخوذة بالحسبان وجود مؤامرة اقتصادية في أصل الجائحة، فربما قامت الولايات المتحدة بنشر الفيروس في الصين سعياً إلى كبح القوة الاقتصادية الناشئة في هذا البلد، وربما تكون الصين على عكس ذلك نشرت الفيروس في الكوكب لتطويع الاقتصادات المناهضة.
إلا أن هذا الكتاب يقترح نهجاً أقل سديمية يستند إلى دراسات أنجزتها شخصيات لها مكانة علمية، ويهدف أيضاً إلى برهان عدم حدوث أي شيء بصورة عرَضية فيخالف ذلك قول الماديين بأن الكون يقاد عن طريق المصادفة، وبأن ذكاءً كونياً ينشط في الكون ليقود هذا الذكاء البشرية نحو المستوى التطوري الأعظم من التعقيد والوعي.
التسلسل الزمني
وفي البداية يستعرض الكاتب السياق العام أي التسلسل الزمني الأصلي الذي ستدرج ضمنه جميع الوقائع التاريخية المتسلسلة الأخرى، ويمتد هذا التسلسل على حقبتين متباعدتين الأولى تعود إلى زهاء أربعة عشر مليار عام وتضم جميع الأحداث الواقعة بعد الانفجار العظيم حين تركب الكون وفق الخواص التي نعرفها، وتعود الحقبة الثانية إلى القرن الماضي حين رصد العلم معايير عدة تكمن في أصل الكون، فخلص إلى أنه في تركيبته وسيره يرتبط بتعقيد المعايير الأساسية إذ يتخذ كل منها قيمة دقيقة لكي تتيح وجود الحياة مقترنة بالعوامل الأخرى، فلو اختلفت قيمة واحدة اختلافاً طفيفاً لما تمكنت الحياة في الكون من الوجود. وعن الحقبة الأولى يقول آروش: «بعد الانفجار بدأت المادة التي كانت مضغوطة سابقاً بالتطور سريعاً وحلّت نظرية الانفجار العظيم محل نظرية الكون السرمدي غير المتناهي الثابت التي ظلت سارية المفعول حتى بداية القرن العشرين. فالكون ليس ثابتاً لأنه يتمدد وهو غير متناه أيضاً للسبب نفسه.. ، وفضلاً عن هذا ترى مفارقة أولبرز أن الكون لو كان غير متناه حقاً لصار من شأن السماء المظلمة اللمعان بسبب النجوم الحاضرة وغير المتناهية.. ، ويستمر الكون في التطور اليوم وأتاح في غضون ذلك تطور حياة أساسها الكربون».
التجاذب
ويتحدث الكاتب عن أصل ونشأة الفيروسات والبكتيريا المعدية، فيشير إلى بعض الحجج المنطقية العلمية التي ساقها الأديب والفيلسوف الإيطالي جيرولامو فراكاستورو الذي أوجد عدداً من الأنماط المعدية سماها «ناشرة الأمراض»، وهي وصف بدائي للبكتيريا والفيروسات الحاضرة. ويذهب فراكاستورو في مؤلفه الصادر عام 1546 إلى أن مسببات الأمراض المعدية كائنات حية مجهرية وأن السريان بين البشر يحدث بانتفال أبواغ أو بذور من المريض إلى الشخص السليم، وتخيّل فراكاستورو في عصر كانت فيه الجراثيم غير معروفة وجود جسيمات غير مرئية قادرة على إفشاء العدوى بسرعة، ويزعم في مجلد عن «التجاذب» أن جميع أشياء العالم مرتبطة ببعضها عن طريق قوة طبيعية كونية والإنسان أيضاً لما كان مكوناً في الطبيعة لم يفلت من هذه القوة وأنه تجاذب يشعر به كل جزء إزاء الكل، ويبادل الكل كل جزء من التجاذب نفسه.
وحول التوافقات الكبيرة بين دراسات فراكاستورو والواقع الراهن يبين آروش أن « التوافق بين دراسات فراكاستورو والواقع الراهن يثير الدهشة ويصل الأمر إلى حد الإشارة إلى أنه أكثر من مجرد توافق، فحين يصير توافق ما صريحاً بيناً يمكننا الحديث عن التزأمنية. والحق أننا نجد أنفسنا متحدثين بعد مرور خمسة قرون عن أحد الأمراض التي تتفشى بين الكائنات البشرية، وحين يسمح لنا العلم بالضحك على فرضية تفشي المرض بالتجاذب بين الأشياء تقدم لنا الفيزياء الكمومية نظرية متماسكة عن كل شيء، إذ يكون كل جسيم في الكون وفقاً لها متصلاً مع جميع الجسيمات الأخرى بطريقة غير فيزيائية».
كما يتناول الكاتب في مؤلفه هذا أشهر وأعظم الجوائح والأمراض الحيوانية المنشأ، التي بدأ ظهورها مع تطور نشاطات تدجين الحيوانات وتربيتها وطرأ على العامل المرضي الذي يكون فيروسا في الغالب تحول حيوي أي صار قادراً على القيام بـ«طفرة النوع»، وهكذا فإن الفيروس إذ يستمر في العيش داخل الحيوان المستودع يبدأ أيضاً بالتكاثر في الكائن البشري الحي، وتبين المعتقدات الراهنة أن كثيراً من الأمراض قد انتقلت إلى البشر عن طريق الحيوانات وتضم هذه الأمراض: الحصبة، الجدري الإنفلونزا الخناق ونقص المناعة المكتسب والزكام والسل.
وعن دور الخفافيش في وباء كوفيد- 19 يذكر آروش: «يوجد نوع حيواني منخرط أكثر من الأنواع الأخرى في تنفيذ طفرة النوع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهذه حال وباء كوفيد-19، فيبدو أن مستودعه الحيواني كان خفاشاً، إذ انتقل الفيروس من الخفاش إلى عائل وسيط غير محدد، ولم تتطور العدوى انطلاقاً من الخفاش بل من العوائل الوسيطة، غير أن الخفاش يظل كائناً في الأصل، وإذا نظرنا في الأوبئة الرئيسة ذات المصدر الحيواني ظهر الخفاش في كل مكان».