بلاد المصائر الكبرى سورية.. دور فاعل في المجتمع الدولي (نقلاً عن الثورة)
الثورة- فاتن دعبول:
محاور ثلاثة توقفت عندها محاضرة الدكتورة ناديا خوست في باكورة التعاون بين اتحاد الكتاب العرب والرابطة السورية للأمم المتحدة، وحملت عنوان “بلاد المصائر الكبرى” كما بينها الدكتور إبراهيم سعيد رئيس الرابطة. فالمحور الأول تحدث عن يوم المرأة العالمي الذي تحتفل به الأمم المتحدة، والمحور الثاني هو عيد الأم والأم الكبرى سورية، والمحور الثالث اختارته د. خوست للحديث عن كارثة الزلزال التي ألمت بسورية ودور المرأة في التخفيف من آثاره، وكيفية إدارة هذه الكارثة والحد من نتائجها الكارثية على المجتمع السوري.
وبدأت الدكتورة ناديا خوست محاضرتها بالقول: إنه رغم تفتح زهر اللوز في عيد المرأة وعيد الأم، لكننا لسنا هنا للحفاوة بالأعياد، ولا للتفصيل فيما كسبته المرأة من حقوق كإنسان ند، بل لتأمل المصائر الكبرى التي خصت بها هذه البلاد ومنها الزلزال الكبير الذي تميز بدقة توقيته السياسي وكأنه أرجأ مقطعا من اتفاقات متصلة بمشاركة المنطقة في إلغاء الهيمنة الأميركية على العالم.
وبينت أن الزلزال أوقفنا أمام الخسائر الإنسانية التي لا تعوض، والبيوت التي يجب أن تعوض، بدلا من التقدم خطوة لطي آثار الحرب، زلزال كبير بعد اثني عشرة سنة من الحرب، ومع ذلك واسينا أنفسنا بأننا بلاد المصائر الكبرى، البلاد التي فكر فيها الإنسان بقضايا الوجود، فتأمل الفناء والخلود ووضع أول قوانين وشرائع اجتماعية، وفي هذا السياق لم تضيّق المرأة قضيتها كأنها مسألة مجموعة من المواطنين، بل وصلتها بالمصير الوطني.
المرأة النخبة..
وقدمت خوست الكثير من الأمثلة والشواهد التي تؤكد دور المرأة ومكانتها عبر التاريخ، ومن ذلك شعر عنترة العبسي في عبلة “ولقد ذكرتك والرماح نواهل، مني وبيض الهند تقطر من دمي”،
ومن هذه النخبة ماري عجمي مؤسسة مجلة العروس في العام 1910 التي روجت للعروبة، وجمعت رجال الثقافة في منتداها، ونازك العابد التي أسست جمعية “النجمة الحمراء” ومجلة نور الفيحاء ورافقت يوسف العظمة إلى معركة ميسلون.
وملايين النساء حاضنات ومربيات وممرضات علمن الطفل أول كلمات اللغة، كن السيدات الحكيمات وحارسات الأسرة، وهذا اعتراف بحضورهن وبأنهن مؤهلات للمشاركة في قيادة الحياة العامة، ويسجل لسورية أنها من أوائل البلاد التي أعطت المرأة حق الانتخاب بدستور عام 1950.
المرأة أولى ضحايا الحرب..
وتأتي الحرب لتسلب المرأة حقوقها ومكانتها، فقد واكب العقوبات التي فرضت على سورية عمل شبكة من تجار الحرب ونهابي المال العام، وتلاعب التجار، وتراجع المستوى المعيشي وانكسر التجانس الاجتماعي الذي عرفت به سورية، ونتج عن ذلك مشردين لا بيوت لهم، وبتنا نرى امرأة تنام على الرصيف مع أطفالها، وعجوزا ينام في حديقة تحت المطر، وحكايات كثيرة وما تلك أم الشهيد التي تبيع الخبز لتكسب ليرات إلا واحدة من النساء التي تعرض واقعا في حرب فرضت على وطنها.
ناهيك عن استغلال الفتيات السوريات في بعض الدول للعمل في أعمال لا تليق بهن، وتعرض العديد منهن للحاجة والعوز، في ظل تشتت الأسرة بعد فقدان المعيل وفقدان فرص العمل التي تتيح لهم موردا للرزق.
من الثوابت السورية..
وتبين خوست أن الحب الذي انهمر على السوريين بعد الزلزال أظهر أن نفوذ الغرب السياسي والأنظمة التابعة له لا يشمل عواطف الشعوب العربية، ولكن زيارات الرسميين وواجب الإغاثة الإنسانية في الكوارث، فتح مساحات الوهم بأن سورية ستقلب موقفها من التطبيع، وهذا جهل بمكانة سورية في الاستراتيجيات الكبرى، فرفض الكيان الإسرائيلي من الثوابت التقليدية السورية، وسورية وضاءة بكرامتها وغيرتها على سيادتها الوطنية، وأمل للشعوب العربية.
وتخلص بدورها إلى أن صخب الزلزال لا يخفي الحقائق الجديدة، وكأننا مرة أخرى في لحظة صياغة المصائر الكبرى، ونحن الشهود والمشاركون في انتقال التاريخ الإنساني إلى زمن جديد لن تتصدره الولايات المتحدة، بل دول متنوعة الألوان منها سورية.
وعلى الجانب الآخر فنسجل أن السوريين دفعوا دماءهم وأوجاعهم وبنيتهم التحتية ثمن رؤيتهم الاستراتيجية الصحيحة التي ميزت الصديق من العدو، وشاركوا في كسر مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبالتالي ساهموا في غروب شمس الغرب.
واستطاعت روسيا والصين بالحرب الدامية وبالسياسة والمناورات والاتفاقات أن تسهل لدول متنوعة قرارها المستقل، لذلك استطاع الخليج في الحرب على النفط اختيار مصالحه والسعي نحو التحرر من النهب الأمريكي.
هذا إلى جانب تبدد مشروع ابراهام الذي حلم بدمج إسرائيل في المنطقة، وتفكك الكيان المحتل، ويفهم مستوطنوه أنهم غرباء عن المنطقة، خدموا فيها مشروعا أنكلوساكسونيا غاربا، في هذه اللوحة الكبرى يبدو موت غرباتشوف تعبيرا عن موت مرحلة سيادة قطب واحد على العالم.
وانتهت المحاضرة بمداخلات عديدة وفتحت آفاقا للكثير من الأفكار التي تستحق الوقوف عندها، وبين د.محمد الحوراني أن الدكتورة خوست أتت على بعض الأسماء التي ساهمت في ترسيخ ثقافة المقاومة، وثقافة التصدي للتطبيع ، وهذا كله لم يأت من فراغ، وإنما كان نتيجة لجهود قامات كبيرة كان لهم حضورهم في المؤسسات الثقافية، التي كانت تقوم عليها المرأة بفترة من الفترات، كان يتم التأسيس لحضور المرأة اليوم والتي يمكن أن يستشهد ابنها فتدفع بالآخر وبكل أولادها إلى ساحات الوغى، وهذا ليس بجديد على المجتمع السوري.
وعرض بدوره لمذكرات أكرم الحوراني التي جاء بها صور لسيدات سوريات كن في جبهات المقاومة، وصور لوهيب الغانم في فلسطين وعبد السلام العجيلي الذي كان في الصفوف الأولى للمقاتلين، وأكد أنها الثقافة تعمل دائما على إنتاج أدباء المقاومة وترسيخ فكر المقاومة لتحرير الأراضي المحتلة جميعها.