باتّجاه الضّوء.. قراءات نقدية في روايات لثلاث كاتبات في اتّحاد الكتّاب (نقلاً عن البعث)
نجوى صليبه
جويل دكاك.. اسم لفتاة تبلغ من العمر السّابعة عشرة وتعدّ أصغر روائية في سورية يحتفي فيها اتّحاد الكتّاب العرب بتقديم قراءات نقدية لروايتها الأولى “جولة في فلك العشق” مع كاتبة أخرى تكبرها ببضع سنوات هي الطّبيبة نتالي دليلة عن روايتها “ميرينا لن ترى الضّوء”، أمّا الكاتبة الغائبة الحاضرة فهي الطّبيبة نيفين عبد الرّؤوف.
وبكلمات أقل ما يقال عنها أنها صافية لم تتلوّث بعد بلوثة بعض المثقفين والأدباء، تعبّر دكاك عن فرحتها بهذا الإنجاز، وتقول: من الرّائع أن أدخل هذا المكان وأنا في السّابعة عشرة من عمري.. حين كتبت هذه الرّواية انتابني خوف من مكان يدخله كبار الكتّاب العرب.. وها أنا هنا اليوم لكنّي غير قادرة على وصف مشاعري.. حين كتبت لم أفكّر بالنّتائج، وكلّ ما أردته هو سكب عواطفي على الورق من دون أن يتبلل القارئ بالمؤلم منها.
بدورها، تشير دليلة إلى بعض الصّعوبات التي واجهتها عندما اختارت طريق الكتابة فتقول: الأدب حياة ثانية بالنّسبة إليّ، ولم يكن سهلاً أ أعيشها فقد واجهت صعوبات اجتماعية كبيرة، ولم أتراجع أو أضعف بل مشيت بإصرار واشتغلت على حلمي بشكل كبير وها قد حققت ما أريد.
وأمّا القراءات النّقدية، فقد انبرى لها أدباء من جيل آخر وأعضاء في الاتّحاد، يوضّح رئيس الاتّحاد الدّكتور محمد الحوراني: عندما نتحدّث عن الكتّاب الشّباب وأدبهم وتبنّي الاتّحاد لهذا المشروع، فإنّنا نتحدّث عن تقصير كبير مستمر منذ زمن طويل من قبل المؤسسات الثّقافية والتّربوية والإعلامية.. الاتّحاد بكامل فروعه في خدمة كلّ الشّباب، منوّهاً بخطأ الاعتقاد بأنّ شبابنا لا علاقة له بالقراءة أو الكتابة أو الثّقافة، وخطأ الاعتقاد بأنّ ثمّة عداوة بين هذا الجيل والكتاب الورقي، يقول: لو كان هناك عداوة حقّاً لما كان لدى الكتّاب الشّباب رغبة بوجود نتاج مطبوع لهم.
“من الطّبيعي أن يكتب الشّباب وإلّا أقفل الأدب والشّعر أبوابهما وعلّقا عليها عبارةً تقول: توقّف الجديد يا للأسف” يبدأ الأديب عمّاد ندّاف مشاركته، ويضيف: إطلاق موهبة الكتابة عند الجيل الجديد أشبه بفيوض الرّبيع.. لا أعرف لماذا كنت أدّون على دفاتري ملاحظات عن الكتّاب الشّباب الذين غيّروا العالم، ولا أخفيكم أنّ الفكرة جاءتني عندما مات رياض الصّالح الحسين شاباً وترك لنا شعراً نتمعّن في رؤياه بعد مرور أربعين عاماً على رحيله.. لقد سجّلت أسماء كثيرة لشباب كتبوا وجعلوا نصوصهم مراجع بين أيدينا لنتعلّم منها، فالكتّاب الشّباب هم الذين يصنعون الأدب الجديد، فلو لم يكتب نزار قبّاني قصيدة “قالت لي السّمراء” وهو في العشرين من عمره لما شقّ طريقاً واسعاً لاسمه في عالم الشّعر وجعلنا نقدّم الأطروحات عنه، ولو لم يكتب حنّا مينة “المصابيح الزّرق”، ولن ننسى أنّ أدونيس أحد أهمّ شعراء العالم المحدثين كتب قصيدته الأولى عندما كان طالبَ مدرسةٍ أمام رئيس الجمهورية آنذاك شكري القوتلي، مؤكّداً: الشّباب هو الأدب الجديد الذي سيسمّى أدب المستقبل.
وبعين الرّقيب، قرأ الأديب رياض طبرا رواية “ميرينا لا ترى الضّوء” وبأمانة أعلن عن موافقته، مصرّحاً بأنّه لم يكن يدري أنّ كاتبتها تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً فقط، يقول: أُعجبت جدّاً بالنّص، والسّؤال الذي ألحّ عليّ: هل بمقدور شابة بهذا العمر كتابة هكذا رواية، فيما نحن الذين مرّ الزّمن علينا نعجز من تدبّر رواية بالمستوى ذاته أو أقلّ أو أكثر قليلاً، ربّما هذا مردّه إلى توظيف طاقة الشّباب بشكلٍ صحيح.
وحول الرّواية ذاتها، يقول الأديب أيمن الحسن: العنوان يثير التّساؤل عمّا إذا كانت الفتاة لا ترى الضّوء لأنّها عمياء، ويأتي الجواب بأنّ هناك ثمّة ضوء وتبدأ الكاتبة بمقدّمة هي بمنزلة فصل تمهيدي، حيث نتعرّف إلى شخصية ميرينا ووالدها الذي كان يردد منذ ولادتها: ميرينا سوف ترى الضّوء.. وفي المتن الرّوائي نقرأ سردية إنسانية تغوص في مشاعر وأحاسيس أب يضحّي بكلّ شيء في سبيل ابنته الجامعية الشّابة التي تقابله بجحود، ونقرأ هذه الحبكة الدّرامية مشدودين إلى معرفة ما سيحصل ولا سيّما أنّ أغلب رواياتنا تقول العكس أي أنّ الأب يظلم ابنته، لكنّ تمنيت لو أنّ بيئة الرّواية كانت في مدينة عربية لا يونانية، ففي أوقات كثيرة خُيّل إليّ أنّي أقرأ رواية مترجمة للأسف، وهذا ما تناقشت فيه مع الكاتبة إضافةً إلى جدل حول النّهاية.
وفي رواية “جولة في فلك العشق” قال الأديب نذير جعفر: جويل دكّاك أصغر كاتبة في سورية، وروايتها رواية حبّ وتسامح ونبل إنساني، وهي رواية الإنسان بوصفه رجلاً أو امرأة أو لوحاً مكتوباً ينقسم إلى نصفين، ما أجمل أن يلاقي كلّ منّا نصفه الآخر الذي يكمله ويتناغم معه روحاً وجسداً وموقفاً.
ولم يشأ الأديب أحمد علي محمد تقديم ورقة تشجيعية على أهميتها، لكن وحسبما يبين فإنّ بعض الأمراض لا تشفى إلا بعمل جراحي، يقول في رواية “جولة في فلك العشق”: لا أملك إلّا التّعامل معها بوصفها كلاماً مخلوقاً من ورق، لا شيء نابضاً فيها سوى اللغة، وأنا أرسل ملاحظاتي الأولى بشأن هذه الرّواية عن اللغة، قلت إنّ تحتوي على أخطاء، ومع ذلك فإنّ المؤلّفة استطاعت تقديم نسيج لغوي يليق بسردها وأشهى ما في الخطاب رقّة اللغة ومرونتها التي مكّنتها من التّوغّل في ثنايا الإحساس الأنثوي الرّهيف، مع براعة في استعمال العناصر السّردية ولا سيّما عنصر المكان، حيث حصرت الحركة بين الحانة والجامعة ومنزلها وبعض الشّوارع إلى بيتها، وكذا عنصر الزّمان فقد أرّخت الأحداث باليوم والشّهر، ما انسجم مع الأحداث المقتضبة التي لا تستغرق أكثر من يوم أي نهار وليلة، ومع تراكم الزّمان وسيلانه تمضي الرّواية إلى نهايتها بشكلٍ منطقي متسلسل، مضيفاً: وتعتمد الكاتبة على الرّاوي العليم الذي يحرّك الشّخصيات بحسب الغاية التي تنتهي إليها المقولة السّردية ومن ثمّ الرّؤية السّردية، كما تعتمد على تقنية القناع وهو هنا مغامرة، المؤلّفة واعدة ومبشّرة وأغبطها على مقدرتها في تتبع الإحساس فكلامها من أوّل الرّواية إلى آخرها سلسلة متّصلة، وتمنيت لو أنّها اعتمدت على شيء من التّقطيع السّردي.