انتصار بعلة في «أحلامُ وسام».. قصصٌ ومغامراتٌ تسرح مع خيال الأطفال (نقلاً عن تشرين)
تشرين- لبنى شاكر:
«يَسأل وسام: كيف ترجع الأمكنة الخَرِبة إلى ما كانت عليه قبل أن تُدمرها الحرب الملعونة؟، يُجيبه الطاووس: إذا مَشيت عليها، فالأطفال يبُثون الحياة حيثما يمشون». هذا الحوار جزءٌ من قصة «رحلةٍ مع الطاووس»، يتنقل فيها وسام على ظهر الطائر بين مكانٍ وآخر في السماء، وعندما يصل إلى الأرض المُهدّمة، يستعير ألوان قوس قزح لتعود إليها الحياة، لكنه يُحس فجأةً بالتعب ويغفو، فالرحلة لم تكن إلا حلماً جميلاً راوده حين كان يُقلّب صفحات مجلةٍ مُلونة تحكي عن الطيور، وعلى هذا المنوال من المُراوحة بين الحقيقة والخيال، تصحب الكاتبة «انتصار بعلة» قُراءها الصغار في المجموعة القصصية «أحلامُ وسام»، رسوم «شذا سمعول»، الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب.
الاتكاء على الواقع كنقطة علّام، وما يُبنى عليه من أحلامٍ ومُغامراتٍ وحكايا، يجعل من المجموعة توليفة من مُتعٍ مُتعددة المستويات، تبعاً لأعمار القرّاء، فما يبدو مقبولاً لابن الست سنوات، ساذجٌ عند الأكبر سناً، وإن كان طفلاً أيضاً، ويصح العكس كذلك تبعاً لأسبابٍ عامة وخاصة في آنٍ معاً، تحكم خيال الطفل وطريقته في التفكير، كما في «أصدقاء قُدامى»، حيث يستجيب وسام لرغبة حقيبته القديمة، بأن يكون معها بعض الأصدقاء، بدل بقائها وحيدةً في خزانة الملابس، فيطلب من كُتِب السنة الماضية ودفاترها وأقلام التلوين التي أصبحت قصيرة، أن تعود إلى الحقيبة المُنزعجة، وسرعان ما يشعر بامتنان وشكرٍ لما بذله كي يجتمع الأصدقاء القدامى مع بعضهم من جديد، تقول بعلة في حديثٍ إلى «تشرين»: «ليس سهلاً أبداً كتابة قصةٍ ناجحة بمعيار الأطفال، الطفل كائنٌ ذكي، يجب عدم الاستهانة بقدراته، يجب أن تهتم القصص المُوجهة إليه بالإثارة والتشويق والمغامرة والخيال المجنّح».
ورغم أهمية ما سبق، لا ينتهي الأمر عنده، لأن عبرةً ما أو فكرةً أو خلاصةً، يجب أن تُمرر إلى الطفل، من دون أن يشعر بأن شيئاً يُفرض عليه، وهو ما تُحاول بعلة تحقيقه في«أحلام وسام»، تُضيف: «من الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها بعض الأدباء، اعتقادهم أن الموعظة والنصح المباشر ضرورة يجب تضمينها قصة الطفل، وهذا ما يجعل قصصهم مملة، ينفر منها الطفل سريعاً، علينا أن نُقدِّم ما نريده عبر حكايةٍ يستلهم منها القيم النبيلة بنفسه، لا تحتوي إرشاداتٍ ومواعظ وتنبيهات».
تستخدم بعلة لغةً ثريّة قابلة للفهم والاستيعاب، يُمكن لها أن تلعب دوراً في زيادة رصيد الأطفال من المفردات والتعابير المُغيّبة لمصلحة أخرى تُماشي يوميات الحياة المُستهلكة حتى بالنسبة للصغار، وعلى حد تعبيرها، لا بد من اعتماد لغةٍ فصيحة خالية من الأخطاء، بسيطة ومعبرة بشكلٍ جميل، حيث يُمكن للقصة الاضطلاع بالمهمة المنوطة بها في هذا السياق كما يُفترض، وهو ما ينسحب على مراعاة التطور التكنولوجي الكبير الذي استحوذ على اهتمام الأطفال، وقدّم لهم الخيال والصور والمتعة بشكلٍ مذهل، تقول القاصّة: «يستطيع كاتب الأطفال أن يُحلّق أكثر في الخيال، فالقارئ الطفل يمتلك خيالاً جامحاً، نتيجة تعامله مع أجهزة التكنولوجيا الحديثة، كذلك من الضروري أن يحتوي كتاب الطفل رسوماً شائقة بألوان جذابة تدفع قارئه نحو الغوص في الخيال مع الكلمة والصورة».
أما عن خصوصية القصة الموجهة للطفل السوري بعد ما عايشه من ويلات، فالمطلوب من كتّابنا كما ترى بعلة أن يكتبوا عن الفرح والسعي إلى مستقبلٍ زاهر، أملاً في الخروج من أجواء الحرب والحزن: «يجب أن نُظهِر لهم الجوانب المشرقة والجميلة في الحياة كي يعرفوا شيئاً من الطمأنينة والتفاؤل، الطفل السوري مثل بقية الأطفال في العالم، لكن ما تعرضت له بلدنا جعل أطفالنا يعيشون في رعبٍ وخوف».
مرّت تجربة بعلة في الكتابة بمراحل عدة، اختلف بموجبها أسلوبها بين مجموعةٍ وأخرى، وهي صاحبة مجموعة اليافعة «من حكايات نور» الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ونص مسرحية «الغراس» التي نالت عليها المرتبة الثالثة في مسابقة النص المسرحي في وزارة التربية عام 2017، ونالت أيضاً الجائزة الثانية مناصفةً، في القصة القصيرة الموجهة للطفل في وزارة الثقافة لعام 2021 عن قصتها «عيد ميلاد جميل»، وفي رصيدها مجموعة قصصية للكبار «بفارغ الحب إلا قليلاً»، كما حصدت مجموعتها القصصية «العودة ظافراً» الجائزة الثانية في مسابقة الشارقة للإبداع عام 1997 بالاشتراك مع القاص أيمن الحسن، تقول: «الكاتب يُطوّر أدواته من خلال القراءة والكتابة والاستماع إلى آراء النقاد، وفي ميدان قصة الطفل فالأطفال هم النقاد الأوائل، أعتقد انني أكتب بمرونة أكثر في مجموعتي «أحلام وسام» عن المجموعة السابقة «من حكايات نور»، ولدي مجموعة قصصية بعنوان «طفلٌ مندهش» حصلت على الموافقة منذ عامين ونيف، وما زلت أنتظر صدورها عن الهيئة العامة السورية للكتاب».