الناقد أبو هيف.. المحيط بالأجناس الأدبيّة (نقلاً عن الثورة)

الملحق الثقافي- رولا محمد السيد:
اتسم الناقد عبد الله أبو هيف بصفات عدة، كل منها خادم للنقد الأدبي ومعين عليه، فهو قارئ نهم، ومتابع جاد لما تقذفه المطابع العربية، ومحلل جيد للنصوص، وعارف بارع بالسياقات الفكرية السياسية للإنتاج الأدبي، وموسوعي محيط بعدد وافر من الأجناس الأدبية، وخصوصاً المسرح والقصة القصيرة وأدب الأطفال، فضلاً عن إبداعاته القصصية، وعمله سنوات طويلة في مواقع التوجيه الأدبي المختلفة، وصلاته الأدبية الواسعة بالمبدعين العرب ومؤسساتهم الثقافية، وحضوره الدائم في المجلات العربية والصحف السيارة، وعلى الرغم من أن هذه الصفات ليست جديدة في عبد الله أبو هيف، فإنّه لم يستثمرها مجتمعة في غير كتب قليلة عن الرواية عموماً، والسورية خصوصاً، منها كتابان يهمني الحديث عنهما ضمن حديثي عن الماهدين، هما: النقد الأدبي العربي الجديد في القصة والرواية والسرد، وهو نص رسالة عبد الله أبو هيف الجامعية لنيل درجة الدكتوراه، والجنس الحائر، أزمة الذات في الرواية العربية.
ولا بد، قبل الحديث عن الصفات النقدية كما تجلت في الكتاب الأول، وتحليل النصوص الروائية استناداً إلى الصفات نفسها كما تجلت في الكتاب الثاني، من ملاحظة هدفي من خلال الحديث عن آخر الماهدين، وهو البرهنة على عمق التفكير التقني العربي، ووطأة الإحساس بما تواجهه الهوية العربية من امتحانات قاسية تمس وعيها بذاتها القومية، فضلاً عن الحاجة النقدية إلى (نقد النقد)، بغية ترسيخ الفكر النقدي العربي، وتقنين الممارسات الحية، ورسم السياق النقدي العام لها.
أولاً: النقد الأدبي العربي الجديد
لا يخفي عبد الله أبو هيف حوافزه العامة إلى اختيار موضوع كتابه النقد الأدبي العربي الجديد، وهو:
– فقر المكتبة العربية بالدراسات الخاصة بنقد النقد الأدبي.
– وضوح الاتجاهات النقدية الجديدة في نقد القصة والرواية.
– جلاء المؤثرات الأجنبية في تكوين الناقد العربي الحديث.
– شمول الاتجاهات النقدية الجديدة النثر القصصي السردي.
– بروز قضايا فكرية ونقدية في أثناء الممارسة النقدية العربية.
إن الحوافز المذكورة، وما سبقها من الاستعداد الطبيعي عند عبد الله أبو هيف، لا يحجب المهاد الأساسية للدراسة، وهي:
– توافر الطبيعة الفنية الجيدة في النصوص السردية العربية، إذ إن المستوى الفني الراقي يُعلل وحده انتقال مركز الثقل النقدي من نقد الشعر إلى نقد النثر القصصي.
– توافر عدد كبير جداً من النصوص في الدول العربية يسمح بالتحليل والنقد ونشوء حركة نقدية.
– توافر عدد من النقاد العرب الذين الصرفوا إلى نقد النثر القصصي، ورسخوا مبادئ تحليله وتوظيف المناهج الغربية في خدمته.
– توافر حركة ترجمة عربية للاتجاهات النقدية الغربية الجديدة. تكمن وراءها رغبة في تحديث أدوات الناقد العربي، وفي الاتصال بالمفهومات التحليلية الجديدة في العالم.
ومن البدهي، في مثل الأهداف السابقة والمهاد الأساسية للنثر القصصي، أن تتسع حدود البحث، فتشمل التطور التاريخي والفني لنقد القصة والرواية، وتمتد إلى العوامل التي ساعدت على تكوين الاتجاهات الجديدة، واتصالها بالعلوم الإنسانية الأخرى التاريخ، علم الاجتماع، علم النفس…)، وعلاقتها بالبنيوية بأنواعها وأطيافها، ورؤيتها الموروث السردي، الشعبي والأدبي، وطبيعة النقد النظري والتطبيقي فيها، وموقفها من المشكلات النقدية الخاصة، والفكرية العامة.
وقد ذلّل عبد الله أبو هيف مشكلة اتساع حدود البحث بالنظر إلى النصوص النقدية التي جاوزت أربعمئة كتاب من داخلها، بحيث صنفها في ثمانية فصول، تبعاً لاتجاهات القول والمعالجة فيها، وهذا هو الذي سمح له بالانتقال الزمني من أربعينيات القرن العشرين إلى سعينياته، دون أن يُصاب كتابه بالخلل المنهجي، أو يفقد تحليله قدرة على الارتباط بالخريطة النقدية التي اتضحت حداثتها في سعينيات القرن العشرين.
ولا أشك، بعد التمهيد السابق، في أن صفات عبد الله أبو هيف النقدية تبدو واضحة في كتابه (النقد الأدبي العربي الجديد)، ويمكنني اختزال أكثرها أهمية في النقاط الآتية:
– الموسوعية:
تبدو (الموسوعية) صفة ملائمة لمحتويات كتاب عبد الله أبو هيف (النقد الأدبي العربي الجديد). فقد جهد في كل فصل من فصول الكتاب، بل في كل نقطة من النقاط الكثيرة التي يضمها كل فصل من فصول كتابه الثمانية، في أن يحيط بالكتب النقدية والدراسات الأدبية المرتبطة بهذه النقطة، والمعينة على توضيح طبيعتها والجهود العربية التي بذلت في سبيل الإحاطة بها. فالفصل الثالث من الكتاب، وعنوانه (الاتجاهات الجديدة المتصلة العلوم الإنسانية)، يضمّ نقطتين رئيستين وعدداً من الأمور الفرعية في كل نقطة، هي:
1- قضايا النقد الأدبي والعلوم الإنسانية:
مقاربة النقد الأدبي الحديث تعريباً وتأليفاً: ذكر في هذه القضية ستة عشر كتاباً.
– علم الجمال والنقد الفنّي: ذكر في هذه القضية عشرة كتب:
– مساءلات في النقد والعلوم الإنسانية: ذكر في هذه القضية ثلاثة كتب.
علم النص: ذكر في هذه القضية خمسة كتب. علم الاجتماع الأدبي: ذكر في هذه القضية ثمانية كتب. التحليل النفسي للأدب: ذكر في هذه القضية اثني عشر كتاباً. – الاتجاهات الجديدة المتصلة بالعلوم الإنسانية في الممارسة: النقد الأدبي والفلسفة: ذكر في هذه القضية ثلاثة كتب. النقد الأدبي وعلم النفس : ذكر في هذه القضية ستة عشر كتاباً. النقد الأدبي وعلم الاجتماع: ذكر في هذه القضية ثمانية عشر كتاباً.
تشير النقطة الأولى إلى أن عبد الله أبو هيف ذكر في الأمور الفرعية الستة أربعة وخمسين كتاباً، وذكر في الأمور الفرعية الثلاثة التي ضمتها النقطة الثانية سبعة وثلاثين كتاباً أي أنه ذكر في الفصل الثالث واحداً وتسعين كتاباً ماعدا الكتب التي أحال إليها ولم يذكرها في المتن والقضية هنا لا تكمن في عدد الكتب، إنما تكمن في أن العدد المذكور، وهو عدد كبير، يدل على إحاطة عبد الله أبو هيف بالكتب العربية الموضوعة والمترجمة المتصلة بعلاقة الاتجاهات النقدية الجديدة بالعلوم الإنسانية. وهذه الإحاطة لا تتغير ولا تبدل في فصول الكتاب السبعة الأخرى، وهذا ما يجعل الإحاطة تصير شاملة، لا يند عن صاحبها كتاب مهما تتعدد الأمور الفرعية التي تؤدي إلى النقد الأدبي، أو ترتبط به بسبب ضعيف أو قوي. وما الموسوعية في هذه الحال غير الإحاطة الشاملة التي تقدم للقارئ فكرة وافية عما صدر في النقد الأدبي العربي الحديث، بحيث يدرك عمق التفكير النقدي العربي، ويتنازل عن أحكام القيمة المبنية على الجهل بالصورة الكلية لهذا النقد، في هذه القضية أو تلك.

العدد 1211 – 29 – 10 -2024

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات