المجازرُ الصهيونيّة بينَ “ملياراتهم” و”أكفاننا” (نقلاً عن رأي اليوم)
د. محمد الحوراني
يوماً بعد يوم، يزدادُ الهجومُ الإرهابيُّ الصهيونيُّ على الشعب الفلسطينيّ إجراماً ودمويّةً، ويتزايدُ معه عددُ الشهداء، من أطفال فلسطين ونسائها ورجالها، بل إنّ مسارَ العُدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ يُؤكِّدُ أنّ العدُوَّ يريدُ القضاءَ على مُستقبلِ فلسطين من خلال قَصْفِهِ أطفالَ فلسطين ونِساءَها، وقَتْلِهِ نَحْوَ سبعة آلاف طفل وامرأة منذُ بداية العدوان الصهيونيّ قبلَ شهر تقريباً، مُستخدِماً فيه أكثرَ الأسلحة إرهاباً وفَتْكاً وتدميراً، وتُؤكِّـدُ المعلوماتُ أنَّ غالبيّةَ ما أُلْقِيَ على الشعب الفلسطينيّ، وتحديداً في قطاع غزّة، تجاوزَ خمسةً وعشرينَ ألفَ طنّ من الأسلحة، بما فيها الأسلحة المُحرَّمة دوليّاً، وعلى رأسها الفوسفورُ الأبيض، مع حصارٍ خانق أدّى إلى حرمان أهل القطاع من أبسط مُقوِّمات الحياة، بما فيها الغذاء والماء والدواء، إلى الدرجة التي غدا فيها المواطنُ الفلسطينيُّ المُحاصَرُ والمُعتدَى عليه في أمسِّ الحاجة إلى ما يَسُدُّ به رَمَقَهُ، أو يُعالِجُ بهِ نَزيفَهُ.
وبينما كانت حاملاتُ الطائرات تشقُّ البحارَ مُتوجِّهةً إلى المياه المُحيطة بفلسطين المُحتلّة لتقديم الدعم والمُؤازرة إلى كيان الاحتلال، كانت قطّارةُ اليأس الرسميّ العربيّ تَقْطُرُ أكفاناً على كبرياء الشعب الفلسطينيِّ ونضالِه، في خطوةٍ تدلُّ على انعدام القيم والأخلاق عند مُرسِلي هذه المُساعدات ممّنْ أزْعَجَهُم وجودُ أطفال فلسطين ونسائها، فأرسَلُوا الأكفانَ إليهم لعلّهم يُساعِدُونَ في الإجهاز على ما تبقّى فيها من نساءٍ ورجال وأطفال ما عَرَفُوا إلّا الرُّجولةَ والبطولةَ والثباتَ على الموقف في حياتهم.
ولـمّـا كانت الأكفانُ وعبواتٌ قليلةٌ من الماء تصلُ إلى القطاع المُحاصَر، كان مجلسُ النُّوّاب الأميركيّ يُصادقُ على مشروع قانون قدَّمَهُ الجمهوريّون يطلبُ مُساعداتٍ قيمتُها (14.3 مليار دولار) لأجل دعم الكيان الصهيونيّ في حربِهِ على أهلنا في غزّة، على أن يُخصّصَ أربعة مليارات منها لمنظُومَتَي الدِّفاع الجويّ “القُبّة الحديديّة” و”مقلاع داوُد”، و(1.2 مليار دولار) لمنظومة “الشُّعاع الحديديّ”، كما أعلنَ “البنتاغون”، قبلَ أيام قليلة، أنّهُ سيُرسلُ نظامَينِ من أقوى أنظمة الدفاع الصاروخيّ لديه إلى الشرق الأوسط، وهما بطارية “ثاد” لنظام الدفاع الصاروخيّ ذات الارتفاع العالي، وبطاريات “باتريوت”، وهو جزءٌ لا يتجزّأُ من المُساعدات العسكريّة الكبيرة التي تنوي إدارةُ الرئيس “بايدن” تقديمَها إلى الكيان الصهيونيّ، التي تبلغُ قيمتُها الإجماليّة (105 مليارات دولار)، وهي مُساعداتٌ تذهبُ في غالبيّتها إلى قتل الأطفال والنساء في فلسطين المُحتلّة، وهو ما يتناقضُ مع القانون الأميركيّ الذي ينصُّ على أنّهُ: “يجبُ على جميع البُلدان التي تتلقّى مُساعداتٍ أميركيّةً أن تفيَ بمعايير احترام حقوق الإنسان، والدُّولُ التي تنتهكُ هذه المعايير عُرضةٌ للعقوبات وغيرُ مُؤهَّلة للحصول على المساعدات العسكريّة الأميركيّة”، وهو ما ينطبقُ على بعض دُوَل العالم المُستفيدَة من المُساعدات الأميركيّة باستثناء الكيان الصهيونيّ الذي عمدَ بكُلِّ صفاقة إلى حرمان المُصابين والمرضى في مشافي قطاع غزّة من أبسط حقوقهم، بل إنّ رئيسَ وزراء الكيان أعلنَ على رُؤوسِ الأشهاد رَفْضَهُ إدخالَ الوقود لتخديم المشافي وتمكينها من القيام بواجبها الإنسانيّ في غزّة، وهو ما يعني إصدارَ أمرٍ على أعلى المُستويات بالإجهاز على المرضى والمُصابين في جميع المشافي التي غدَتْ بكُلِّ مرافقها وممرّاتها عاجزةً عن استقبال مزيد من المُصابين، وهو موقفٌ نابعٌ من القناعة المُطلَقة بهشاشة الموقف العربيّ والدوليّ والإسلاميّ المهين والمُتخاذِل، بل المُتواطئ مع القتلة في الكيان الصهيونيّ، وهذا ما تُؤكِّدُهُ مُساعداتُ الأكفان والأقلام وعبوات الماء ولقاحات “الكورونا” وشرائح الفحص الخاصّة بهذا المرض المنقرض لأطفال غزّة ونسائها، الذين قُتِلُوا، وشُرِّدُوا، ودُمِّرَتْ مدارسُهم ومشافيهم ومساجدهم وكنائسهم وبيوتهم.
بل إنّ المجازرَ الصهيونيةَ ازدادتْ ضراوةً بعد كُلِّ محاولةٍ لإدخال المُساعدات إلى القطاع مهما كانت قليلةً، وليس استهدافُ بوابة مشفى “الشفاء” والمشفى “الإندونيسيّ” ومشفى ” القدس”وسيّارات الإسعاف المُتّجهة إلى معبر رفح لإجلاء بعض المُصابين من أصحاب الحالات الحَرِجة، ومطاردة الكيان الصهيوني لها، وكذلك قصف مدرسة “الصفطاوي” التي تُؤْوي مئاتِ النازحين، وقد ذهبَ ضحيّته عشرات الشهداء، وهذا كلُّه بعدَ لقاء وزير الخارجية الأميركيّ مع رئيس وزراء العدو الصهيونيّ يوم الجمعة في الثالث من تشرين الثاني ٢٠٢٣، ليسَ ذلك كُلّه إلّا دليلاً قاطعاً على الرغبة الصهيونية الأميركية في القضاء على ما بقيَ من الحياة ومُقوّماتها في قطاع غزّة، مدعومةً بأحدث الأسلحة والتقنيات ومزيد من الأموال التي من شأنها أن تُسرعَ في الإجهاز على أبناء الشعب الفلسطينيّ جميعاً، دونَ تمييز بين طفلٍ وامرأةٍ وشيخ، بعدَ أن وفّـرَ لهُ “الأشقّاءُ” من العرب والمسلمين بعضَ حاجاته من الأكفان والخِيَم وعبوات الماء، لعلّها تغسلُ شيئاً من دَنَسِ أولئك الذين قدَّمُوها، أو تسترُ قليلاً من سوءاتهم.
نعم، إنّهُ زمنُ التواطُؤ الدوليّ مع المجرم القاتل وتقديم الأموال والمساعدات إليه، كما هو زمنُ الذُّلِّ العربيّ والإسلاميّ الرسميّ الذي لم يجدْ سوى الأكفان والخِيَم لتقديمها مُساعداتٍ إلى إخوتِه في فلسطين، ليقينِهِ بأنْ لا خِيارَ لهذا الشعب المُقاوِم سوى الموت أو التهجير، لكنَّ إرادةَ الشعب الفلسطينيّ المُقاوم وصلابتَهُ وتشبُّثَهُ بأرضه وإصراره على مُجابهة العدوّ ومُقاومته، تُؤكّدُ أنّهُ سينتصرُ لا محالة، وليسَ الرُّعبُ الصهيونيّ من التوغُّل البرّيّ في القطاع إلّا تأكيداً على يقين الكيان وقادته بأنَّ الإخفاقَ سيكونُ حليفَهُم في توغُّلِهم البرّيّ وفي حربهم المسعورة، حتّى وإنْ أحالُوا القطاعَ بكُلِّ ما فيه إلى خرابٍ وأنقاض تُغطِّيها دماءُ الشعب الفلسطينيّ وأشلاؤُه، هذا الشعب الذي استطاعَ إعادة الكرامة والعزّة والثقة بالنفس إلى غالبيّة أبناء الأمّة بعدَ عمليّة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣، كما استطاعَ أن يُوجِعَ قادةَ العدوّ، ويُصِيبَ نُخَبَهُ العسكريّة والأمنيّة بمقتل، وهذا ما جعلَ المُجرمَ “بيني غانتس” العُضْوَ في حكومة الطّوارئ الصهيونيّة يقول: “الصُّوَرُ القادمةُ من غزّة مُؤلمةٌ جدّاً. إنّ دُموعَنا تتساقطُ عندَ رؤية جُنود كتيبة جعفاني (قوّات النُّـخبة في الجيش الإسرائيليّ) يَسقُطُونَ بقنابل كتائب القسّام وصواريخها”.
رئيس اتحاد الكتاب العرب/سورية