اللغة العربية.. .هوية وانتماء (نقلاً عن الثورة)
الملحق الثقافي – مها حسن:
يطالعنا الدكتور سمر روحي الفيصل في كتابه «اللغة العربية الفصيحة»، في رؤية متبصرة، ونظرة مستقبلية ثاقبة لموضوع اللغة العربية، متعمقاً في مشكلات اللغة وتحدياتها ومرونتها على استيعاب الثقافات المختلفة، مبحراً في غمارها سابراً مكنوناتها ليخرج منها اللؤلؤ المكنون في مفرداتها..
تكلم الدكتور مستهلاً بحثه عن الازدواجية اللغوية بين الفصيحة والعامية العربية حيث صور الدارسين الغيورين على اللغة العربية أنهم: (انطلقوا من هدف واضح محدد هو نصرة اللغة الفصيحة، لكنهم تباينوا في الإجراءات والمناهج التي اتبعوها لتحقيق هذا الهدف) (ص 10)
ورسخ أصحاب هذه النظرة الاعتزاز باللغة الفصيحة لدى الإنسان وترسيخ كره العاميات وسمي هذا المنهج بالمنهج التأثري.
أما المنهج الآخر فهو المنهج التحليلي وتلا المنهج التأثري بالأهمية وكان أكثر تماسكاً وأعمق وعياً بالأدوات والإجراءات اللازمة للباحث الموضوعي.. ومن هذه المشكلات التي تواجه اللغة العربية من هذه الازدواجية اللغوية:
ــ مشكلات تعليم العربية للعرب والأجانب.
ــ مشكلات الترجمة والتعريب في العصر التقني الحديث.
ــ مشكلات اللغة في وسائل الإعلام.
ــ مشكلات الحوار في الأدب المسرحي والروائي والقصصي.
كما بين الدكتور أن الهدف من الدراسة ليس تعداد المناهج المتعبة في دراسة الازدواجية اللغوية وإنما الإشارة إلى أن الأفق مفتوح للمزيد من الدراسات مشجعاً على الدراسة والتحصيل البحثي وفق أسس ومناهج مبنية على البحوث لتقدم آراء جديدة وإيجاد الحلول المناسبة.
سلط الضوء كاتبنا في الفصل الثاني على التحديات المعادية للغة العربية حيث تحدث عن كتاب (قواعد العربية العامية في مصر) للدكتور وليام سبيتا الذي وصف فيه صعوبة تعلم اللغة العربية من قبل العربي والأجنبي على السواء لذلك هجرها العرب واستخدموا العامية ولو كانت سهلة كما حال اللغات الأجنبية لاعتمدها العرب في تفكيرهم واستعمالهم وكتاباتهم، وشرح الدكتور الفيصل دوافع الكاتب سبيتا وأتباعه وسبب الهجوم على اللغة العربية وطرحه قضية الصعوبة طرحاً زائفاً خاطئاً من سيادة الأمية طوال قرون الانحدار والضعف.
وبين الباحث الدلالة على أن صعوبة اللغة العربية خرافة أو أشبه بالخرافة لأن هناك فرقاً بين اللغة وقواعدها وبين القواعد ومهارة الاستعمال وبين الكتابة والنطق.
(ولكن، مهما تتعدد التحديات فإن الإرادة القومية كفيلة بالتغلب عليها وهذه الإرادة لا تهبط من السماء، لأنها عمل تربوي..) (ص 95).
نجد أيضاً في الفصل الثالث من الكتاب أن الدكتور الفيصل تحدث عن قدرة اللغة العربية على استيعاب العالم وتأصيله.
ناقش وجهة نظر العالم وليام سبيتا بالتخلي عن العربية وأنها غير قادرة على مواكبة العصر الحديث مؤسساً حرباً نفسية شنها على اللغة العربية، باحثاً عن الهدف الرئيس من اتهام اللغة العربية بالصعوبة، وخلص إلى نتيجة ألا وهي التشكيك في قدرتها على استيعاب العلم وتأصيله، ودافع عن اللغة مبيناً الأسباب التي تجعل منها لغة العصر الحديث ومن هذه الأسباب:
ــ قدرة اللغة العربية على استيعاب العلم.
ــ قدرة اللغة العربية على تأصيل العلم الحديث.
وقد أجاد في شرح الأسباب مدعماً بحجج ثابتة وراسخة لا مجال لدحضها مبيناً مواضع القوة ومواطن الضعف..
(إن الثقة باللغة العربية يجب أن تكون أساس الموقف العلمي الجديد، وهي ــ على أي حال ــ ثقة مبينة على طاقة ذاتية تملكها اللغة العربية وتستطيع بواسطتها استيعاب العلم، وليست ثقة مبنية على وهم لا أساس له من الصحة، وإن هذه الثقة لا تنفي الضعف العلمي في المجتمع العربي، ولا نخجل من الاعتراف به، ولا ننكر على الأمم الأخرى تقدمها في العلوم والكشف والمخترعات، ولكنها في الوقت نفسه تدعو إلى أن يحتل العرب ما يستحقون من مكانة علمية بين الأمم الأخرى، وقد أثبتت لغتهم أنها قادرة على وضع المصطلحات وتوحيدها..) (ص 126)
أما الفصل الرابع من الكتاب فقد تحدث فيه الكاتب عن حركتي الترجمة والتعريب وإشكالات المعاصرة، وبيّن الكاتب أيضاً انشطار الجمهور إلى فريقين في حركة الترجمة والتعريب:
الأول يرى أن اللغة العربية لا تصلح للعصر التقني الحديث لضعفها الذاتي ومجافاتها العلم وعنايتها التاريخية بالآداب والفنون.
والفريق الثاني ــ له نوع من السيادة في الوطن العربي ــ يرى أن اللغة العربية مؤهلة لمواكبة العصر الحديث كما واكبت العصر الوسيط وقد أثبتت في العصر الحديث قدرتها على الترجمة والتعريب ولم تكن إشكالات ولا وهماً..
وشرح الكاتب الهدف من الترجمة وبيّن الخلط بين مصطلحي (الحضارة والمدنية) ومصطلحي (الترجمة والتعريب) كما شرح الإشكالات الثلاثة (الإشكال المعرفي والإشكال التاريخي والإشكال اللغوي) شرحاً مستفيضاً مدعماً بالحجج والبراهين وأكد على مرونة اللغة العربي حيث قدمت للحياة العلمية آلاف المصطلحات:
(يمكن تعزيز النمو العدد للمصطلحات الموضوعية إذا قلنا أن مجمع اللغة العربية في القاهرة أقر في مؤتمراته السنوية بين 1971 و1984 عشرين ألف مصطلح..) (ص 169)
أما الفصل الخامس قد خصه المؤلف لتجار التعريب في الوطن العربي (التجربة السورية) وصف الدكتور سمر الحديث عن التعريب بأنه حديث (ذو شجون) لأنه حديث عن الأمة حاضراً ومستقبلاً، وبيّن الفترة الذهبية لتجربة التعريب في سورية ــ كمثال ــ في الفترة (1918 ــ 1920) وما واكبها من أحداث وأوضح العوامل التي أسهمت في بدايات التعريب:
(فالباحث لا يشك في أن الظروف التي مر بها القطر العربي السوري هي التي كونت مفهوم التعريب لديه، وهو مفهوم واسع يشمل الحياة كلها وليس مفهوماً ضيقاً يخص اللغة وحدها) (ص 216).
أما الفصل السادس فهو بعنوان الكتابة باللغة العربية بين الواقع والطموح.
بيّن فيها الكاتب معنى كلمة الكتابة ودلالاتها ووضح ضرورة إتقان اللغة بشقيها الإملاء والخط أساس لابد منه في السلوك اللغوي للإنسان العربي وهذا الإتقان مكتسب وليس فطرياً.. ويناقش الكاتب واقع الكتابة داخل المدارس والجامعات والمعاهد وغيرها مسلطاً الضوء على واقع الخط العربي ويجيب على سؤال: (لماذا نُعلم الخط العربي؟)
(أريد القول إن الهدف من تعلم الخط العربي هو توفير (الوضوح)، أي أن يكتب الإنسان بخط يستطيع الآخر قراءته فلا يلتبس أمره عليهم) (ص 228).
وتمعن الكاتب في مكانة الكتابة منذ الأجداد إلى وقتنا الراهن، ثم اتجه إلى تحليل واقع الكتابة الإبداعية من جانبي الإعداد والمشكلات منوهاً إلى الحلول…
أما الفصل السابع فيتحدث فيه عن لغة الحوار في الأدب:
(يخلص الكاتب إلى نتائج محددة، هي أن قضية لغة الحوار إشكال أو لبس كبير وليست مشكلة أو إشكالية إنها قضية بديهية أملتها ظروف نشأة الأجناس الأدبية الجديدة.. وخصوصاً القصة والرواية والمسرح) (ص 292).
ويتابع الكاتب الدكتور سمر روحي الفيصل إلى نهاية الكتاب في دراسة مستفيضة ورؤية منهجية بطابع علمي وموضوعي، مسلطاً الضوء على اللغة العربية ومشكلاتها وتحدياتها والصعوبات التي واجهتها واضعاً الحلول والشروح والأسباب، موغلاً عميقاً في سبر أغوار كل ما يتعلق باللغة العربية وانتمائها وعلاقتها باللغات الأخرى..
الكتاب من مطبوعات اتحاد الكتاب العرب من القطع المتوسط في /363/ صفحة.
العدد 1137 – 21/3/2023