الكتب.. وفعل التغيير (نقلاً عن الثورة)

الثورة – ديب علي حسن:

يعتقد الكثيرون أن زمن القراءة قد ولى إلى غير رجعة، وأن الكتاب يحتضر الآن بسبب العزوف عنه عندنا، وذهب بعضهم إلى الكتابة بنوع من سخرية الألم عن إعلان لمعرض يقام الآن، وهو أن سعر الكتاب الآن من نوع الشعر ٥٠٠ ليرة فقط وأي لون آخر من ألوان الكتابة ١٠٠٠ ليرة.
أظن أن الإعلان شهادة على أن المعلن وهو اتحاد الكتاب العرب أراد أن يقول سنذهب إلى القارئ أينما كان، وسنقدم له الكتاب بثمن شحنه إلى المكان.
ولن نتركه على الرفوف وفي المستودعات، وكان الاتحاد قد أقام معارض مثل هذا سنتين حققت نجاحاً متميزاً، وكان الإقبال عليها، ولاسيما الشباب كبيراً، وفي لغة الأرقام تم بيع أكثر من ٢٠٠ ألف نسخة كان الشباب هم الهدف..
إذاً هي مبادرة مهمة جداً لأنها فعل تغيير وتنوير لا تنتظر أحداً أن يأتي بل تذهب إليه.
والكتاب فعلاً هو أداة التغيير الأولى في الفكر والثقافة وكل شيء.
وهنا نستعير ما كتبه الناقد العراقي المتميز جودت هوشيار تحت عنوان: كتب غيرت العالم
يطرح هوشيار التساؤل التالي:
(هل يمكن للكتب أن تغيّر العالم حقاً؟ قد يبدو هذا التساؤل غريباً لمن يعشق قراءة الكتب، ولا يتصور حياته من دونها.. ولكن ثمة من يقول: إن الكتب لا تغيّر شيئاً، وهؤلاء في العادة لا يقرؤون الكتب أصلاً، وربما يجهلون أن ثمة عشرات الكتب التي غيّرت حياة الأفراد والمجتمعات ومسار التأريخ، ولعبت الدور الحاسم في التقدم الحضاري للبشرية.
لم نكن نولي هذا الموضوع اهتماماً لو كان جل من يستهين بدور الكتب في الحياة هم الناس البسطاء، ولكن ثمة بعض العظماء الذين أصيبوا بخيبة أمل بعد الكوارث التي شهدتها البشرية في العصر الحديث.
قال الشاعر الإنجليزي و.هـ. أودن (1907 -1973) ” إن الكتب لا تلعب أي دور في الحياة. بدليل أن كل كتاباتي عن هتلر لم تنقذ حياة إنسان واحد.
ولكن أودن لم يأخذ في الاعتبار أن فكرة “العرق النقي” ظهرت عند هتلر تحت تأثير أعمال فريدريش نيتشة (1844-1900).
لقد نشرت مئات الكتب القيمة والرائعة في منطقة الشرق الأوسط خلال المئة عام الماضية، ولكن عند النظر إلى ما يحدث في منطقتنا هذه الأيام من وحشية وحروب من الصعب العثور على أي علامة تشير إلى أن الكتب تغير المجتمع نحو الأفضل، ربما ينبغي الانطلاق من أن الكتب تغير الناس ومن ثم المجتمع.
تأثير الكتب في حياة الأفراد
إن تصور الإنسان للعالم وتشكيل شخصيته يعتمدان على عوامل كثيرة وبضمنها الكتب التي قرأها، ولكن ثمة كتب تؤثر- ليس فقط على تصور الإنسان للعالم- ولكن يمكنها أن تغير حياته أيضاً.
كلمات المؤلفين العظماء يمكن أن تغير وجهة نظر الشخص حتى إلى الأشياء البسيطة والمألوفة.. والكتاب – مصدر لا ينضب للمعرفة و للانطباعات الجديدة، غير المتوقعة في بعض الأحيان. الكتب الجيدة تعمق إدراكنا وفهمنا للعالم الذي نعيش فيه وتصقل ذائقتنا الجمالية، وترسخ القيم الأخلاقية في ذواتنا، وتكون مصدر إلهام لنا ولو لبعض الوقت.
الكاتب التركي أورهان باموك الحائز على جائزة نوبل في الآداب لعام 2006 يقول في مفتتح روايته (حياة جديدة) :” قرأت ذات مرة كتاباً غيّر حياتي”.
الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور ( 1788 – 1860، تحدث عن الناس الضالين إلى الأبد في الحياة بعد قراءة رواية “دون كيشوت” لسرفانتس.
وكما تقول الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانس المعروفة بجورج اليوت (1819 – 1880) إن الكتاب هو الأقرب إلى الحياة.
الكاتب الأرجنتيني كارلوس دومينغيز (ولد عام 1955) يستهل روايته الشهيرة “البيت الورقي” بالمقطع التالي: “في ربيع عام 1998، اشترت بلوما لينون في محل لبيع الكتب في سوهو نسخة عتيقة من مجموعة قصائد للشاعر إميلي ديكنسون، وعندما وصلت إلى السوناتا الثانية، عند أول نقطة عبور للمشاة صدمتها سيارة أودت بحاتها”، الكتب تغيّر مصائر البشر حقاً.
إن التطلع إلى التغيير نحو الأفضل، هو الذي يدفعنا لقراءة الكتب، وإذا لم نكن نؤمن بالتغيير، لما كنا خسرنا الوقت والجهد والمال في اقتناء الكتب وقراءتها أو كتابتها).
وإذا كان الكاتب قد توقف عند كتّاب عالميين، يمكننا نحن أن نذكر شعراء ومبدعين عرباً أيضاً، هم عالميون تحدثوا عن كتب غيرت حيواتهم وكانت رفيقتهم في حلهم وترحالهم.. من هذه الكتب: المعلقات، وألف ليلة وليلة، وديوان المتنبي، والشريف الرضي، والأغاني، والمختارات التي قدمها أبو تمام.
وقصص السير الشعبية التي رافقتهم في مرحلة الشباب.. كثيرة هي العناوين التي حفرت مجراها عميقاً في عقول وقلوب القراء والمبدعين..
وسيبقى الكتاب فعل التنوير الأول.. وإذا كنا نحن لا نقرأ.. فالعالم يقرأ، وعدم رؤيتك لما بعد الجبل لا يعني أنه غير موجود.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات