التربية والمواطنة.. أهم التحديات التي تواجه الحياة المعاصرة … تحقق للفرد عملية الانتماء الاجتماعي وتشبع حاجته إلى التعامل مع أفراد المجتمع والمجتمعات الأخرى (نقلاً عن الوطن)

مايا سلامي

صدرت عن اتحاد الكتاب العرب، دراسة بعنوان «التربية والمواطنة»، تأليف أ. د. عبد اللـه شمت المجيدل، تقع في 176 صفحة، وتسلط الضوء على قضية التربية التي تشكل بمختلف مجالاتها وأبعادها واحداً من بين أهم التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة وأنظمتها التربوية، إذ إن المؤسسات التربوية معنية قبل أي مؤسسات أخرى بمسألة المواطنة، ولاسيما أن من يخطط للتربية يخطط لمجالات الحياة قاطبة، ومن خلال تأمل عوامل تقدم البلدان المتطورة وإحرازها لمواقعها الحضارية، وتجذر انتماء مواطنيها، نجد أن التربية ونظم التعليم كانت عاملاً رئيساً في تحقيق الانتماء والتقدم والبناء الحضاري، وأن مقياس تقدم الشعوب وقوتها بات يتمثل بما تملكه من طاقات علمية وطنية، وبمخرجات وكفايات أنتجتها أنظمتها التربوية، فقوة الأمم المعاصرة تقاس اليوم بقدراتها على بناء الروح الوطنية والعلمية والنقدية لأبنائها من أجل الحياة في عصر بات التغير السريع أهم سماته.

مفهوم التربية

وفي البداية يتحدث الكاتب عن مفهوم التربية ويبين أن كلمة التربية تطلق على كل عملية تؤثر في قوى الطفل وتكوينه، منذ ولادته بالزيادة أو النقصان، بالترقية أو الانحطاط، سواء أكان مصدرها من الطفل أم من البيئة الطبيعية أو الاجتماعية، فالطفل خاضع باستمرار منذ ولادته لعمليات تغير في جسمه وعقله وخلقه، وهذه العمليات هي التربية ومصادرها هي عوامل التربية لتنقله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي.

ويشير إلى أن التربية تجري بأساليب متنوعة جذابة وقهرية، مثل: الثواب والعقاب والترغيب والترهيب، وما شابه من العمليات الجذابة والمنفرة، وفقاً للنظرية السلوكية في علم النفس والتربية على التحكم والتمنية بالتعزيز الإيجابي والسلبي والعقاب، منوهاً بأنه وفق النظرية المعرفية في علم النفس والتربية أن التغذية الراجعة الإيجابية والسلبية هي التي تسهم في تعريف المتعلم أو المتربي بنتائج عمله وتنمية تقدمه نحو الأهداف. وبجمع النظريتين السلوكية والمعرفية تصبح التربية عملية علمية شاملة، ويضبط السلوك بها باسم تقنيات التعليم التي صارت تطبيقاً علمياً لمختلف العلوم الإنسانية والشمولية في عملية التربية.

ويوضح أن التربية علم تحكم شامل بالسلوك إلا أنه ينقسم إلى علوم نفسية وتربوية متفرعة عنه تتفاوت في درجة شموليتها وفي الموضوعات المتفرعة عنها، فعلم النفس التربوي يجمع بين علمي التعليم والتعلم وبين أهداف التعليم وتقويمه.

أهمية التربية

كما يستعرض د. عبد اللـه في دراسته أهمية التربية للفرد والمجتمع، ويقول: «التربية ضرورة فردية من جهة وضرورة اجتماعية من جهة أخرى، فلا يستطيع الفرد الاستغناء عنها ولا المجتمع أيضاً وكلما ارتقى الإنسان وتحضر ازدادت حاجته إلى التربية، وأصبحت شيئاً ضرورياً لا كمالياً، فالتربية تحقق للفرد عملية الانتماء الاجتماعي وتشبع حاجته إلى التعامل مع أفراد المجتمع والمجتمعات الأخرى، وتحقق له الاستمرار النفسي، إذ يشعر بالانتماء والانضمام إلى جماعة تقبله لاتفاقه مع أعضائها في كثير من القيم والاتجاهات وغيرها، مما يكتسبه الأفراد في حياتهم في كنف هذا المجتمع».

ويؤكد أن الفرد يحتاج إلى التربية لأنه يولد وهو يمتلك مقومات النضج والنمو التي تحتاج إلى من يعمل على تنميتها ويظل فترة طويلة لا يمتلك ما يعينه على رعاية نفسه وإكسابه آليات التفاعل مع غيره.

أما عن دور التربية في المجتمع، فيبين أن التربية تمكن المجتمع أن يقوّم مكوناته ويراجع ذاته ويبحث في أوضاعه سعياً وراء التجديد وتمكين الأجيال من تمثل ما يصل إليه من تراث ثقافي وإقصاء ما يعيق تطوره من مكونات هذا التراث والتغيير فيه والتصحيح والتطوير.

ويكشف أن الحضارة الإنسانية تدين بوجودها إلى التربية التي تمكّن كل جماعة من أن تنتقد نظامها وتصلح عيوبها وتعالج مشكلاتها وتواجه مختلف التحديات التي تواجهها، فالتربية ضرورة من ضرورات الحياة خاصة في المجتمعات النامية.

تربية المواطنة

ويختتم الكاتب د. عبدالله دراسته بالحديث عن التربية الوطنية التي تعد من الأهداف التربوية العامة التي تسعى إلى غرس قيم المواطنة لدى الطلبة وترسيخ انتمائهم لوطنهم من خلال زيادة وعيهم لإيجاد المواطن الصالح الذي يسهم في تنمية مؤسسات المجتمع المدني بفاعلية، وتعتمد تربية المواطنة على الممارسات والتطبيقات التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني كله فهي مسؤولية مشتركة بين هذه المؤسسات، مثل: الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع الأخرى.

ويوضح أنه يقصد بالتربية على المواطنة عملية التنشئة الاجتماعية التي تستهدف بناء الفرد المتكامل والمتوازن في جوانب شخصيته فكرياً وروحياً واجتماعياً وإنسانياً، والواعي بحقوقه والملتزم بواجباته والمؤمن بحقوق الإنسان ومبادئ العدالة والمساواة للناس كافة والقادر على الإنتاج والتنمية، والمبادرة المبدعة، والمعتز بانتمائه إلى وطنه.

ويبين أن التربية على المواطنة وحقوق الإنسان وعلى القيم الديمقراطية لا بد أن تكون من خلال منهجية شاملة تربط بين المعرفة والوجدان والأداء وتنمية روح المبادرة التي تجعل الفرد مسؤولاً عن كل مكونات البيئة الاجتماعية والطبيعية.

قد يعجبك ايضا
جديد الكتب والإصدارات