الأديبة ميرفت علي تبدع في “المنجز الإبداعي للشاعر طلال الغوار” (نقلاً عن الثورة)
الثورة – رفاه الدروبي:
قدَّمت الأديبة ميرفت علي رؤية عن “المنجز الإبداعي للشاعر طلال الغوار” من العراق الشقيق وبحضوره في ندوة أدار دفتها الشاعر د. نزار بني المرجة واستضافها فرع دمشق لاتحاد الكتَّاب العرب.
استهلَّ الدكتور نزار بني المرجة الندوة بنتفٍ من جماليات مجموعة” أُسَمِّي جرحي شجرة”
للشاعر الغوار، لافتاً بأنه استكمل منجزاً شعرياً
ومسيرة تجربة متميزة، كانت محطَّ اهتمام النقاد والأكاديميين والمتابعين للمشهد الشعري العربي عموماً والعراقي خصوصاً.
رفد الشاعر مدرسته ومكتبته الشعرية بعشرات النصوص وتميزت بملامحها وبصمتها وهويتها الخاصة المتبديَّة فيها الطبيعة الصامتة كبعدٍ أول يتماهى معه الغوار ورؤاه كبعدٍ ثانٍ، مع عمق مسموع يُغلِّف توليفة القصيدة كبعدٍ ثالث، فنلخظ تماهياً فريداً مع مفردات الطبيعة المتحركة والصامتة في آن معاً، وينجح بتحريكها
وتوظيفها على شكل كائنات يتولاها الشعر كي تدبَّ فيها الحياة.
من جهتها الأديبة ميرفت علي فنَّدت رؤيتها عن التجربة الشعرية للشاعر طلال غوار بأنَّه سطَّرها في تسعة دواوين واقتصرت على قراءة ثلاثة منها، لافتة بأنَّ التجربة الشعرية تكون في المنجز الأدبي الورقي بالدرجة الأولى وتعداد السنوات وتوهجها وتصيّدها عبر الإعلام في بلده كحدٍّ أدنى، والشاعر لفت نظر الإعلام العراقي والسوري معاً ما أدَّى لنجاحه كروائز ومرتكزات لتجربة شعرية تستحق الوقوف عندها، معرِّجة على سمات التجربة الشعرية الغوارية وأسس نجاحها للخوض في المجال ذاته وضرورة الأخذ بأمرين الأول: أنَّه شاعر حداثي والثاني: خضوع تجربته إلى قواميس النجاح عبر سرد مقومات قصيدة النثر والتفعيلة وهناك حيز خاص به بعيداً عن التعريفات من خلال الخصوصية الإبداعية المُشكِّلة لهويةٍ تفرَّد بها بحيث يُمَكِّن المتلقِّي من قراءته للديوان وكأنَّه يقرأ طلال الغوار واعتبرته سرَّ النجاح في ترسيخ معنى المنجز الإبداعي.
الأديبة علي أكَّدت أنَّ مايميز القصيدة الشعرية الطلالية أنَّها شابهت أباها فما ظلمت، وكيف يقرأ للشاعر قبل التعرف إليه ونقف أمام نموذج من القصيدة الشعرية الحكيمة المتوازنة الهادئة المتماسكة المستمدة من صفات صاحبها حتى إذا سمعها المتلقي تعرَّف عليه من القصيدة فطباعها من طباعه ويقود القارئ إلى مزية ليحصل عليها ويكون مسترخيا ذهنياً وتعطي مثالاً على رصانة في معناها وحواملها الفكرية والفنية قصيدة عاجزة عن أداء المعاني الجموح ليست مشاغبة أو خارجة عن المألوف، وإنَّما خروجات في المباليغ وإزاحة للمراميز والطرق الفنية كما يقول أنطون تشيخوف: “على الأديب الناجح في أي معطى يعطيه للقارئ أن يحافظ على مناخ فكري وأسلوب واحد في العمل الواحد” يعني أنَّ تشيخوف مُنظِّر للأدب ولو لم يكن ملك القصة القصيرة والمسرح إلى حدٍّ ما، مبيَّنة أنَّ المجموعة الشعرية عليها أن تكون متشابهة فكرياً وتقود إلى وعاء لغوي مناسب له ومزية خاصة حققها الشاعر فيما كتبه بنجاح.
كما لخَّصت السمات الشعرية الطلالية بأنَّها حملت رصانة القصيدة فتفرد في وصفه للشمس وأكسبها معنى ألماسياً لايخطر على بال، إنَّها الدفء والسلام والنور والولادة الجديدة برزت في قصيدته ” أُسمِّي جرحي شجرة” مقطوعة قطاف أورد فيها:
كلما أشرق يوم جديد
ذات الشعر الذهبي اللماع
كلّ صباح تبعثر نافذتي
زائغة النظرات
وتغيب تغيب
بينما رأت أنَّ الانسيابيَّة والرشاقة كانت حامل فكر وجودي سريالي استنباطي،
متسم بعبارات رشيقة انسابت كجدول رقراق ينهمر انهماراً، ولو وضع القارئ حصاة كبيرة أو صغيرة في مجرى الينبوع لانبثق كلّ ماكتبه. أنشد الشاعر في نفس القصيدة:
أنا مااقتطعت من الغابة غصناً
وأشعلت فيه اللهب
فمن أينَ كلّ هذا الدخان
ومن أين لي كلّ هذا الحطب
فيما انتقلت الأديبة ميرفت إلى خصائص تجربته الشعرية أهمّها التعددية الدلالية، فالمدلول أو المرموز يمكن أن يفهم حسب ثقافة المتلقي ومحاكمته العقلية، مستخدماً لغة تناسب القصيدة الحداثية، حيث يريدها الشاعر كالقصيدة النزارية والدرويشية والتجارب المعاصرة الناجحة ويضعها في متناول القارئ، مشيرة إلى الوحدة الموضوعية والفكرية للقصيدة من خلال تناول الطفولة والبراءات في طفولة الوطن والشجر والعشب والريح وذرات الهواء التي يتنفَّسها، فاشتغل لعبته بكفاءة عالية. وأجمل مافي تجربته الاحتفاء بالإنسان المهمَّش والعادي بأفكار بسيطة دون إهمال القضايا
العقائدية الكبرى، كما ابتعد عن اللهجة الخطابية ونظم قصيدة الحالة وتكشُّفات النفس والصراخ الداخلي بصوت هادئ والاحتجاج بتهذيب فيعلو صوته دون أن يرتفع، وتخلو قصائده من الألفاظ الخادشة للحياء، معبِّراً عنها برقة، والومضة أجمل وأرقى وأكثر تكثيفاً وبراعةً في التصوير الشعري، خاتمة حديثها بأنَّ قصيدته نهلت من مناهل البلاغة العربية فكانت جميلة لطيفة يشعر القارئ وكأنَّه في قلب النص.